img

عن العراق


يتمتّع العراق ببيئة متنوّعة، فهناك الصحارى الشاسعة غرب العراق،  الجبال الشامخة في شماله، وهناك الأهوار الجميلة في جنوبه، وأراضي خصبة في وسطه. في العراق نهران تاريخيان عظيمان هما دجلة والفرات، وبهما سُمّي العراق بلاد ما بين النهريْن، وهما أكبر أنهار المنطقة، توجد عليهما مدن العراق، وعلى ضفافهما نشأت أقدم الحضارات الإنسانية، ويلتقيان في جنوبه ليشكلا معاً شطّ العرب الذي يصبّ في الخليج العربي. ولا تضفي هذه البيئات مسحة جمالية على الطبيعة في العراق فحسب، بل هي تمثّل موارد اقتصادية بما تحتويه من ثروات طبيعية.

كان العراقُ مركزَ الثقلِ الحضاري في منطقة الشرق الأدنى القديم، فقد قامت في بلاد الرافدين أعظم الحضارات القديمة، وأُنزلت على أرضه رسالات، واصطفى الله تعالى بعض أنبيائه من أهل العراق، وقدّم للإنسانية أول 31 اختراعاً خلقت الحضارة منها الكتابةُ، والعجلةُ. كان السومريون في جنوب العراق، في بداية الألفية الرابعة ق.م، قد رسموا معالم حضارة جديدة حين أنشأوا المدن الأولى في حياة البشرية، وطوّروا الزراعة، وأهدوا الكتابة المسمارية لحضارات الأكديين والحثيين، واخترعوا العجلة، وبنوا المدارس، وطوّروا صناعات مختلفة، وعملوا في الفلك والرياضيات. وكانت مملكة الآشوريين في شمال العراق اليوم، في الألفية الثانية ق.م، تزدهر في التجارة، والحِرِفِ، وفنّ العمارة، وغير ذلك ممّا تستلزمه الحضارة.

العراق بلدُ الملك حمورابي الذي حكم بابل بين عاميْ 1782-1686، مؤسّس التشريعات الذي سمّى نفسه "الملك الكامل"، وأبقى للبشرية مسلّة القوانين الشهيرة التي تضمّ 282 مادة قانونية لتنظيم الحياة في الاقتصاد والاجتماع وتطبيق القصاص والتعويض وغيرها، فكانت بذلك من أعظم النماذج القانونية، ليس في بلاد وادي الرافدين وحسب، بل في التاريخ القانوني للعالم القديم.

في العراق، بُنيت الحضارة الإسلامية وطَبَقَتْ الآفاق، فانطلاقاً منه امتدّ جناح الإسلام شرقاً إلى بلاد فارس وصولاً إلى الصين. وكانتا الكوفةُ والبصرةُ مدينيتيْن مؤسّستين لعلوم العربية من نحوٍ وبلاغةٍ ومنطقٍ وفقهٍ وعلم الكلام، وفيهما تطوّرت علومُ الكيمياء والرياضيات والفلك، وازدهرت في مناخ فكريّ منفتح. وفي هذا الإطار الحضاري الإسلامي أبدع سكّان العراق بتنوّعهم الديني من مسلمين ومسيحيين ويهود وديانات أخرى، وكانت لهم جميعاً إسهامات حضارية كبيرة.

إلى أرض الكوفة، نقل الإمام علي (ع) عاصمة الإسلام فكانت مناراً للعدل والعلم والحكمة في أيّام حكمه. وفيها بيتُه المجاور لمسجد الكوفة المعظّم. في الكوفة ظهر المتنبي، وهو أعظم شاعر في العربية، وجابر بن حيّان، وهو أبرع الكيميائيين، والكسائي، وهو أكبر النحويين في المدرسة الكوفية، وأبو حنيفة، وهو أحد الفقهاء المسلمين العباقرة ومؤسّس المذهب الحنفيّ. وعلى اسم الكوفة سُمّي الخطّ الكوفيّ الشهير، وهو أحد أشهر الخطوط العربية.

النجف وريثة الكوفة، منذ انتقال الشيخ الطوسي إليها سنة 448هـ وتأسيسه المدرسة العلمية جوار مرقد الإمام علي (ع)، وامتدادها اليوم الحوزة العلمية، مقصد طلبة العلوم الدينية من الشيعة من بقاع العالم وخاصة إيران، ولبنان، وأفغانستان، وسوريا، والبحرين، والسعودية، وتركستان، والهند، واندونيسيا، والصين. والنجف أيضاً، فضلاً عن كونها بيئة دينية، هي بيئة أدبية وفكرية، فقد نبغ فيها إلى جانب الفقهاء، واعظم الشعراء والأدباء. ولذلك فهي مدينة علم رفدت العلوم الدينية والأدب والثقافة بإسهامات جليلة. فظهر في النجف فقهاء مجتهدون أكثر ممّا يُحصون، وظهر فيها شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، والرائد الإصلاحي جعفر الخليلي. وفي النجف أكبر مقبرة في العالم لحرص المسلمين الشيعة في العالم على الدفن في هذه المدينة المقدسة.

وفي البصرة كانت حلقات الدرس تعجّ بالعلماء المشهورين والشعراء النوابغ والفقهاء الأفذاذ، وكانت مركزاً تجارياً عالمياً يربط أطراف العالم القديم. في البصرة ظهر الخليل بن أحمد الفراهيدي، واضع أول معجم للغة العربية عنوانه "العين"، وأول من وضع قواعد العروض للشعر العربي، وظهر أيضاً سيبويه وهو أعظم لغويّ على الإطلاق، والجاحظ، وهو أحد أكبر الكتّاب والمفكرين. وفي البصرة أيضاً يقطن بعض "عرب الأهوار" الذين وجدوا في جنوب العراق ولهم عاداتهم وتقاليدهم ونمط حياتهم الخاصة.

أمّا بغداد فكانت رأس العصر الذهبيّ للإسلام. فكانت مركزَ الدولة العباسية التي تبسطُ نفوذَها من أقصى الشرق إلى أقصى شمال أفريقيا، وكانت مركز إشعاع فكريّ وعلميّ، فأصبحت أكبر مدينة في العالم تحتضنُ المسلمين والمسيحيين واليهود وديانات ومذاهب أخرى، ويزدهر فيها النقاش الفلسفي والديني فتركت لنا تراثاً عظيماً في العلوم والفنون.

بوابة التخصصات