تزداد النُدرة المائية حدّةً وتصبح آثار التغيّر المناخي الزاحف ملحوظةً أكثر فأكثر، ويهدِّد التدهور البيئي عموماً أُسُس الحياة في حوض دجلة والفرات، حيث باتت التداعيات الاجتماعية-الاقتصادية لهذه الظواهر تزعزع استقرار المجتمعات، وبات أثرها على سُبُل العيش وأنماطه يتصاعد. في سياق جهودها لتمكين العراق “من الازدهار في مواجهة الشدائد،” نظّمت الجامعة الأمريكية في بغداد ندوةً بعنوان، “الآثار الاجتماعية للتغيّر المناخي في العراق: بناء القدرة على مواجهة التحدّيات عبر التبادل الأكاديمي،” بالتعاون مع معهد (GIGA) لدراسات الشرق الأوسط ومعهد برلين للدراسات التجريبية حول الإدماج والهجرة (BIM)، وبتمويلٍ كريمٍ من الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي الخارجي (DAAD). وقد جمعت الندوة مسؤولين حكوميين وباحثين أكاديميين ومنظماتٍ غير حكومية وطلبةٍ متحمّسين، بهدف بناء مستقبلٍ مستدام ٍ عبر التعليم والتعاون.

“أصبحت التغيّرات المناخية حقيقةً واقعة” وليست مؤقتة، وقد باتت آثارها في العراق “واضحةً وملموسةً” منذ عام 2010 على الأقل، وفقاً لوزير الموارد المائية السابق، المهندس مهدي رشيد الحمداني، الذي تحدّث عن المشاريع المائية في أعالي حوض دجلة والفرات كأهم أسباب “التحدّي الكبير” الذي يواجه البلاد. “نحتاج إلى البحوث” وإلى “التفكير بطرقٍ مختلفة” لمواجهة هذا التحدّي، قال السيد الحمداني، داعياً إلى إجراءاتٍ عاجلة، على رأسها استبدال أسلوب الري التقليدي، أي استجرار المياه عبر قنواتٍ مفتوحةٍ تتيح تبخّر المياه وتلوّثها، بـ”نظام الري المغلق بالأنابيب،” ودعا إلى ترشيد استهلاك الأفراد للمياه، مشيراً إلى أن معدّل استهلاك الفرد في العراق هو 550 ليتراً في اليوم، مقارنةً بـ200 أو 240 ليترٍ في اليوم كمعدّلٍ عالمي. كذلك، حضّ السيد الحمداني الحكومة على منع استنزاف المياه الجوفية باعتبارها “مخزوناً طارئاً” وحقاً للأجيال المقبلة.

مدير “مركز التغيّر المناخي وأمن المياه واستدامة البيئة” في الجامعة الأمريكية في بغداد، د. دايفد كارغبو، سلّط الضوء على دعم الجامعة البحوث متعدّدة التخصّصات، معتبراً هذه البحوث، مع التعليم وصياغة المقترحات السياساتية، “الدعامات الثلاث” لمقاربة المركز في معالجة الأزمات الاجتماعية-الاقتصادية الناشئة عن التغيّر المناخي. وأشار د. كارغبو، في السياق نفسه، إلى أن العراق هو البلد الخامس على لائحة البلدان الأكثر تأثّراً في العالم بالتغيّر المناخي، وأن هذه الحقيقة تعكسها ظواهر كالأمن الغذائي المهدَّد وتفاقم النزوح والبطالة.

كان للطلبة في “نادي البيئة” في الجامعة مشاركةٌ مميّزة في الندوة، حيث قدّم ثلاثةٌ من الطلاب، هم مريم طارق ويوسف أحمد ومصطفى نبيل، عروضاً تناولت مقارباتٍ ممكنة في مواجهة “الخطر الوجودي” الذي يهدّد البلاد؛ وقد ألقوا الضوء على الآثار غير المتناسبة لتفاقم ندرة الماء والتغيّر المناخي على الأجزاء الجنوبية من العراق وعلى الفئات الاجتماعية الهشّة، لا سيما النساء، وناقشوا النزوح الناجم عن تصحّر الأهوار، مشيرين في هذا السياق إلى المفهوم السوسيولوجي “مجتمع المخاطر”.